الرئيسية » مقالات » فيحاء عبد الهادي »   27 كانون الأول 2022

| | |
رياضة كرة القدم بين الثقافة والسياسة
فيحاء عبد الهادي

أعترف بأن اهتمامي بشؤون الرياضة، هو اهتمام حديث، وأن اهتمامي بما يتعلق برياضة كرة القدم؛ حديث جداً.
بدأ اهتمامي الجدي بممارسة الرياضة بانتظام، مع انتشار فيروس كوفيد 19، في العالم، نهاية العام 2019، وفرض منع التجول نتيجة تحوله إلى جائحة؛ في آذار 2020، في العديد من دول العالم، حيث انحسرت اللقاءات، والتجمعات، والنشاطات الثقافية العامة، واستبدلت بالاجتماعات والنشاطات الثقافية الافتراضية؛ الأمر الذي استدعى محاولة كسر الحصار النفسي والاجتماعي والصحي والثقافي، الذي صاحب تفشّي الفيروس، وكانت أهم تلك المحاولات؛ ممارسة معظم المواطنات والمواطنين الرياضة بانتظام، وعلى رأسها رياضة المشي.
أما اهتمامي بمتابعة رياضة كرة القدم؛ فهو اهتمام أكثر حداثة؛ لأنه صاحب فعاليات انطلاق نهائيات كأس العالم لكرة القدم، في قطر، 2022، التي أبهرت العالم بحسن التنظيم، والمستوى التقني العالي لمتابعة لعب الفرق المختلفة أثناء المباريات؛ ما نتج عنه تقليل إمكانية الطعن بنتائج التحكيم.
ما جذبني وشدّني للمتابعة؛ هو اللعب الجماعي لكل فريق من الفرق المتنافسة؛ ما يجعل أي بطولة فردية تنصهر بالبطولة الجماعية؛ إذ لا يمكن لبطل في كرة القدم أن ينتصر بمفرده، مهما كان بارعاً. البطولة هي للفريق الذي يلعب بتناغم وانسجام وتواصل، وبحرفية عالية؛ وإن كان هناك تميز ملحوظ لا يمكن إنكاره لبعض اللاعبين.
كما شدّني تساوي فرص الفوز للفرق كافة، دون تمييز، بسبب اللون، أو العرق، أو الجنس، والاحتكام إلى قانون واحد ارتضته وتوافقت عليه الفرق المتنافسة جميعها.
*****
هل صحيح القول: إن «أجمل ما في الرياضة أنها بعيدة عن السياسة»؟ وإن «الرياضة فوق السياسة»؟ وإن «السياسة تفسد الرياضة»؟ وإنها «تسبب الشغب، والأزمات السياسية، والفوضى»، وإن هذا هو سبب منع الاتحاد الدولي لكرة القدم؛ إقحام السياسة في منافسات اللعبة.
هل هي السياسة التي تفسد الرياضة؟ أم التجاذبات السياسية، واستمرار سياسة الكيل بمكيالين، وانعدام العدالة في العالم؛ هو الذي يشحن النفوس، ويفسد الرياضة؟
ألا يعتبر كل ما نتنفس سياسة؟
*****
ثم، ما العلاقة بين الرياضة والثقافة؟
أؤمن بوجود علاقة وثيقة؛ ما دام العقل السليم في الجسم السليم، وما دامت ممارسة الرياضة، بأشكالها كافة، قادرة على أن تهذّب النفس، وتغرس قيم التعاون، والعمل الجماعي، والنظام، والانفتاح على الثقافات، والتسامح، والصدق، والأمانة، والمساواة، والعدل، والانتماء؛ دون تعصب من أي نوع، بالإضافة إلى مبدأ الشفافية، والمحاسبة، وهي مبادئ أساسية في الثقافة الديمقراطية.
وهنا يجدر التساؤل: إلى أي مدى جسَّد مونديال قطر 2022؛ القيم التي تعكس هذه العلاقة؟
شهدنا أولاً ضعف الروح الرياضية لدى البعض؛ من خلال التنمّر على دولة قطر نفسها، من أكثر من زاوية؛ بلد عربي مسلم لا يمكنه أن يجاري الدول المتقدمة بتنظيم مثل هذه المباراة، والالتزام بالقيم التي وضعتها دولة قطر مثل منع الكحول، واستخدام بعض الشعارات التي اعتبرتها الدولة مسيئة للإسلام.
بالمقابل شهدنا العمل الجماعي، والتعاون بين الفريق الواحد، وانتماء كل اللاعبين إلى أوطانهم، وثقافتهم القومية، أو انتمائهم إلى الفريق الذي يمثلونه، وشهدنا تنافساً على البطولة؛ لكنا شهدنا أيضاً تعصباً عرقياً، ومذهبياً، يتنافى مع الثقافة الرياضية؛ عبّر عنها بعض اللاعبين، وعدد من المشجّعين والمشجّعات، داخل الملعب، وخارج الملعب، كما عبّرت عنها مواقع عديدة على وسائل التواصل الاجتماعي، عبر التنمّر حيناً، والسخرية حيناً، كما حدث مع بطلين أهدرا ركلتي جزاء، ومع فرق لم يحالفها الحظ بالفوز في التصفيات النهائية للمونديال؛ ما يبرز صعوبة الفصل ما بين السياسة والاقتصاد والثقافة، تحت أي مسمّى.
أخيراً شهدنا فلسطين تبرز في المونديال بكل قوة؛ ما أثبت عمق عدالة القضية الفلسطينية في وجدان شعوب العالم أجمع، بدءاً من الفرق العربية المشاركة، إلى عدد من الفرق الأخرى، وأخيراً جمهور المونديال الواسع؛ ليصبح المونديال منبراً للتعبير عن التضامن مع القضية الفلسطينية، بكل الأشكال والمعاني.
من الأهمية بمكان العمل الجماعي، من أجل عالم لا مكان فيه لاستعمار، أو احتلال، أو تمييز عنصري؛ قائم على أساس العرق، أو اللون، أو الأصل القومي، أو الجنس. عالم يتبنى قيماً ديمقراطية بمعناها الشمولي، حتى تنعكس إيجاباً على الثقافة التي تتبناها دول العالم قاطبة.
*****
أثبت مونديال قطر 2022؛ أن النجاح بالتنظيم ليس حكراً على الكبار، فقد اتفق الجميع على أن هذا المونديال كان أكثر من ناجح بكل المقاييس، كما أثبت المونديال أن الانتصار يشترط فقط المزيد من الجهد والتصميم والتدريب الفني، والتخطيط على أعلى مستوى.
ومن أهم القضايا التي طرحها المونديال؛ أنه ليس هناك مستحيل، وأن الهزيمة لا تعني اليأس؛ هذا ما حدث مع الفريق المغربي، الذي فاجأ العالم، وحقّق سبقاً عربياً وإفريقياً، من خلال لعبه الاحترافي الجميل، والذي تبوّأ المركز الرابع، في التصفيات النهائية للمونديال.
وهذا ما حدث مع الفريق الأرجنتيني المتمكِّن، الذي خسر في بداية المونديال مع الفريق السعودي، ولكنه بالنهاية تمكّن من حصد المركز الأول في بطولة كأس العالم لكرة القدم، قطر 2022.
---
faihab@gmail.com
www.faihaab.com

(نقلًا عن جريدة الأيام)

 

 

 
 
 
 
 
 
مشاركة: